العمارة الزرقاء في جدة
تتألَّقُ جدة درّةَ عروس البحر الأحمر برونقها الأخَّاذ، ومعالمِها التاريخيّةِ العريقة التي تُبهرُ الأنظار، من بينِ هذه المعالم المميَّزة المبنى الأيقونيّ الأزرق الذي يتربَّع على واجهةِ الكورنيش الشماليّة الشاطئية. وفي هذه المقالة الشيِّقة، سنُسلِّطُ الضوءَ على هذا الصرح المعماريِّ الفريد، “العمارة الزرقاء”، من خلالِ استعراض تاريخها الفريد وخصائصها المعماريّة وأهميَّتِها السياحيّة.
نبذة عن العمارة الزرقاء
شُيِّدت العمارة الزرقاء في أوائلِ القرن العشرين الميلاديّ على يدِ عُمر أفندي طه السودانيّ، أحد تجّار اللؤلؤ المشهورين في ذلك العصر، لتكونَ منزلاً لهُ ولأسرته. وقد استلهمَ أفندي طه فكرةَ بنائِها من رحلاتِهِ المتكرِّرةِ إلى سنغافورة، حيثُ التقطت عيناهُ جمالَ المباني ذاتِ الطِّراز الأوروبيّ الأنيق، ولذا فقد صمَّمَ منزلهُ على شاكلةِ هذه المباني، ولكنَّه أضاف إليها بعضَ العناصرِ المعماريّةِ الإسلاميّة التي تُميِّزُ فن العمارة في الحجاز.
موقع العمارة الزرقاء
تقع العمارة الزرقاء على واجهة الكورنيش الشمالية الشاطئية بمدينة جدة، على بعد أمتار من شاطئ البحر الأحمر. ويُعدُّ موقعُها الاستراتيجيّ ميزةً كبيرةً، إذ تُمكِّنُ الزوّارَ من الاستمتاعِ بإطلالات ساحرة على البحر أثناءَ زيارتهم لهذه التحفةِ المعماريّة.
السمات المعمارية للعمارة الزرقاء
تتميَّز العمارة الزرقاء بمجموعة من الخصائصِ المعماريّة الفريدة، التي تجعلها أيقونةً معماريّةً بارزةً في مدينة جدة، ومن أهم هذه السمات:
اللون الأزرق
يُعدُّ اللون الأزرق السمة الأكثر بروزاً في هذه العمارة، حيثُ اكتسبت منهُ اسمَها المميَّز “العمارة الزرقاء”. ويُضفي اللون الأزرق على المبنى رونقاً خاصاً، يُذكِّرُ ببحرِ جدة المتلألئ الذي يُحيط بها.
الطراز الأوروبي
تُعدُّ العمارة الزرقاء مزيجاً رائعاً من الطرازِ المعماريّ الأوروبيّ والفنّ الإسلاميّ. ويظهر الطرازُ الأوروبيّ بشكلٍ واضحٍ في نوافذِ المبنى ذاتِ القناطر المقوَّسة، وشرفاتِهِ الحديديّة المُزخرفة، ومدخليهِ الرئيسيين ذواتِ الأعمدة الكبيرة.
العناصر الإسلامية
إلى جانب التأثيرات الأوروبية، تبرزُ أيضاً بعض العناصر المعماريّة الإسلاميّة في العمارة الزرقاء، مثلُ القِباب الصغيرة التي تُزيِّنُ واجهة المبنى، والأقواس ذاتِ الطراز الإسلاميّ التي تُحيطُ النوافذ والشرفات.
التوزيع الداخلي للعمارة الزرقاء
يتكوَّنُ المبنى من ثلاثة طوابق، تضمُّ مجموعةً من الغرف الفسيحة والممرات الواسعة. ويحتويُ الطابقُ الأوَّلُ على مجموعةٍ من الغرف الرسميّة والمجالس، بينما يشتملُ الطابق الثاني على غرفِ النوم. أمّا الطابق الثالث فيضمُّ تراساً واسعاً، يُمكِّنُ الزوّارَ من الاستمتاع بإطلالاتٍ بانوراميّة على البحر الأحمر.
أقسام العمارة الزرقاء
إلى جانبِ الغرفِ الرئيسيّة، تضمُّ العمارة الزرقاء مجموعةً من الأقسام الأخرى التي تُعزِّزُ وظيفتَها باعتبارِها منزلاً فخماً، ومن هذه الأقسام:
المجلس الكبير
يُعدُّ المجلس الكبير واحداً من أروعِ أقسام العمارة الزرقاء. وهو عبارةٌ عن صالة فسيحة تُستخدمُ لاستقبالِ الضيوف وعقدِ الاجتماعات. ويتميزُ المجلس بتصميمهِ الفخم وارتفاعِ سقفهِ المزيَّنِ بثريّاتٍ بلوريّة رائعة.
الحمامات التركية
في الطابقِ الأوَّلِ من العمارة الزرقاء، توجدُ حماماتٌ تركيّةٌ تُمثِّلُ جزءاً من مساحاتِ الخدمة في المنزل. وقد استوحى أفندي طه هذه الحمامات من زياراته المتكرِّرةِ إلى مدينة إسطنبول، وهي مزينةٌ بالرخام الفاخر والزخارفِ الإسلاميّة المُتقنة.
السلم الرخامي
يُعَدُّ السلم الرخامي أحدَ العناصر المعماريّة البارزة في العمارة الزرقاء. وهو عبارة عن سلمٍ عريضٍ يربطُ الطوابق الثلاثة للمبنى. وقد نُحتَ السُّلَّمُ من الرخام الفاخر، ومُزيَّنٌ بدرابزينٍ حديديٍ أنيق.
أهمية العمارة الزرقاء
تكتسبُ العمارة الزرقاء أهميّةً كبيرةً بالنسبةِ لمدينة جدة، وللثقافة المعماريّة في المملكة العربيّة السعوديّة، وذلك للأسبابِ التالية:
القيمة التاريخية
تُعدُّ العمارة الزرقاء أحدَ أبرزِ المعالم التاريخيّة في مدينة جدة. وهي تُقدِّمُ لمحةً عن تاريخِ المدينة في القرن العشرين، وفنونِ العمارة التي كانت سائدةً في ذلك الوقت.
القيمة المعمارية
تمثِّل العمارة الزرقاء تحفةً معماريّةً فريدةً، تجمعُ بين التأثيرات المعماريّة الأوروبيّة والفنّ الإسلاميّ. وهي تُعَدُّ مثالاً رائعاً على فنّ العمارة الانتقائيّة في المملكة العربية السعوديّة.
القيمة السياحية
أصبحت العمارة الزرقاء أحدَ أهمِّ المَعالم السياحيّة في مدينة جدة. وهي تجذبُ آلافَ السوّاح سنويّاً، الذين يحرصون على زيارة هذا الصرح المعماريّ المميَّز والتقاطِ الصور التذكاريّة أمامه.
الترميم والاستخدام الحالي للعمارة الزرقاء
خضعت العمارة الزرقاء لعملية ترميم شاملة في السنواتِ الأخيرة، وذلك بهدف الحفاظ على عناصرها المعماريّة الأصيلة وترميمها. وبعد اكتمالِ عمليةِ الترميم، بدأت العمارة الزرقاء مرحلةً جديدةً من استخداماتها، إذ أصبحت تُستخدم كمكانٍ لإقامةِ الفعالياتِ الثقافيّة والاجتماعيّة المختلفة.
خاتمة
تُعدُّ العمارة الزرقاء في مدينةِ جدة أيقونةً معماريّةً فريدةً، تجذبُ السوّاحَ من جميع أنحاء العالم. وهي شاهدةٌ على تاريخ مدينة جدة العريق وتراثها المعماريّ الغنيّ.