استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه
مقدمة
تُعد عبارة “استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه” من الأدعية المأثورة التي درج المسلمون على تداولها في لحظات الوداع والفراق بين الأحبة والأهل والأصدقاء، وتزخر هذه العبارة بكثير من المعاني السامية والدعوات الطيبة التي تنم عن عمق الإيمان بالله تعالى والثقة المطلقة به، وترجمتها الحرفية إلى العربية “سلمتك إلى الله الذي لا تضيع ودائعه”، في إشارة إلى أن الله هو الأقدر على حفظ وحماية وإعادة الوديعة إليه.
حفظ الله لعباده
يؤمن المسلمون أن الله تعالى هو الحفيظ لعباده، الذي يتولى حفظهم ورعايتهم في جميع أحوالهم، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: “وَاللَّهُ يَحْفَظُكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ”، كما جاء في السنة النبوية المطهرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المؤمن لله أحب من نفسه وولده ووالديه والناس أجمعين”.
فدعاء “استودعتك الله” يحمل في معناه عمق التوكل على الله تعالى واليقين بأن حفظ الله لعباده شاملاً كاملاً، وأنه لا تضيع ودائع الله أبداً.
ودائع الله
ورد ذكر الودائع في القرآن الكريم في مواضع عدة، ومنها قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، ففي هذه الآية الكريمة أمر الله تعالى عباده باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ووصفها بأنها رجس، أي نجس وما لا خير فيه، وقال عنها أنها من عمل الشيطان.
في المقابل، فإن ودائع الله هي كل ما أمر الله تعالى عباده بالمحافظة عليه ورعايته، ومن ذلك الوالدان والأولاد والأزواج والأهل والأصدقاء والأوطان والأموال والأرواح، وكذلك العقول والأبدان والأديان، فكل ما نملك ونحافظ عليه ويهمنا أمره فهو وديعة من الله تعالى وقد استودعنا إياها لحفظها.
فائدة دعاء “استودعتك الله”
لفضل دعاء “استودعتك الله” ولما يحمله من معاني الإيمان والتوكل على الله تعالى، فقد وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على ترديده، منها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق حين أرسله لقتال المرتدين: “استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه”.
فدعاء “استودعتك الله” يحمل في معناه الدعاء بحفظ الله ورعايته للشخص أو الشيء المستودع إليه، وهو دعاء جامع ومانع، ففيه طلب الحفظ من كل سوء ومكروه، وفيه طلب الهداية والتوفيق والعون من الله تعالى، وفيه التوكل على الله والثقة الكاملة بأن الله تعالى هو القادر على حفظ عباده وحفظ ودائعهم.
آداب الوداع
ورد في السنة النبوية المطهرة العديد من الآداب التي ينبغي مراعاتها عند وداع الأحبة والأصدقاء، ومن هذه الآداب:
- دعاء وداع المسافر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ودع أحدكم أخاه المسافر فليقل: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، فإني لا أضمن لك ضيعةً بعدي”، وفي رواية أخرى: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك”.
- التوصية بالتقوى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ودع الرجل أخاه المسافر فليوصه بتقوى الله”، وفي رواية أخرى: “أوصيك بتقوى الله، فإنك لا تدري ما يحدث لك بعدي”.
- الدعاء بالتوفيق والسداد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ودع الرجل أخاه المسافر فليقل: أسأل الله أن يتم لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك”.
حفظ الله لأحبائنا
إن دعاء “استودعتك الله” لا يقتصر على المسافرين فحسب، بل يمكننا الدعاء به لكل الأشخاص الذين نحبهم ونهتم لأمرهم، فالله تعالى هو وحده القادر على حمايتهم وحفظهم من كل سوء، وهو وحده القادر على الهداية والتوفيق والعون، ففلندعُ دائماً لحبائنا بدعاء “استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه”.
خاتمة
إن عبارة “استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه” هي دعاء عظيم يحمل في معناه الكثير من الإيمان والتوكل على الله تعالى، وترديده عند وداع الأحبة والأصدقاء والأهل هو من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وللفضل الكبير لهذا الدعاء فإننا نحرص على ترديده دائماً، داعين الله تعالى أن يحفظ ودائعنا ويحفظ أحبتنا، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل.