اللهم اربط على قلبي
مقدمـة
في خضم متطلبات الحياة وضغوطها، نجد أنفسنا بحاجة ماسة إلى من يربط على قلوبنا ويحميها من تقلبات الزمان. وكم منا يردد في سره دعاء “اللهم اربط على قلبي” دون أن يدرك المغزى الحقيقي لهذه الكلمات العميقة.
إن هذا الدعاء ليس مجرد طلب لإزالة الهموم والمتاعب، وإنما هو دعاء عميق يطال أعماق النفس البشرية، ويستهدف حماية قلب المؤمن من كل ما يعكر صفوه ويضره. فالقلب هو مركز العواطف والأفكار والإيمان، وهو بمثابة القلعة التي يجب أن نحصنها ونذود عنها.
ولذا، فإن دعاء “اللهم اربط على قلبي” هو الدرع الواقي الذي نستعين به لحماية قلوبنا من شرور الدنيا وإغراءاتها، ومن وساوس الشيطان وهمومه، ومن كل ما قد يضعف إيماننا أو ينحرف بنا عن الطريق المستقيم.
حماية القلب من غفلة الذنوب
إن الذنوب والمعاصي بمثابة السم الذي ينخر في قلب المؤمن ويضعفه، ويحوله عن ذكر الله عز وجل، بل ويحول بينه وبين محبة الله ورضاه. فاللهم اربط على قلبي، واحفظه من الغفلة والزلات، واجعله قلباً تقياً نقياً، لا يعرف إلاك ولا يحب إلا فيك.
إن من يربط الله على قلبه يرزقه التوفيق والهداية، ويقوي إيمانه ويصفي قلبه، ويكتب له السعادة في الدنيا والآخرة. فاحرص على المداومة على هذا الدعاء، ولتكن من الذاكرين الذين يربط الله على قلوبهم، فما أجمل أن تعيش بقلب صاف وضمير مطمئن.
اللهم اربط على قلبي، ولا تجعل فيه حباً إلا لك، ولا خوفاً إلا منك.
حماية القلب من قسوة القلب
إن قسوة القلب هي الداء العضال الذي يقود صاحبه إلى الهلاك، فالقلب القاسي لا يرق للضعفاء ولا يتأثر بمصائب الناس، ولا يعرف الرحمة أو العطف، بل يصبح عبئاً ثقيلاً على صاحبه وعلى من حوله. فاللهم اربط على قلبي، ولا تجعله قاسياً غافلاً عن ذكرك، واجعله قلباً رحيماً متعاطفاً، يحب الخير للناس ويحرص على مساعدتهم.
ومن علامات القلب القاسي أنه لا يتعظ من الآيات البينات ولا يتأثر بالمواعظ والنصائح، ولا يخشى يوماً يلقى فيه ربه. فسارع بالدعاء إلى الله أن يحفظك من قسوة القلب، وأن يرزقك قلباً ليناً رحيماً، يحب الخير ويفعله.
اللهم اربط على قلبي، واجعله قلباً يخافك ويرجوك، ولا تجعله قلباً قاسياً لا يعرف الرحمة أو العطف.
حماية القلب من حب الدنيا
إن حب الدنيا والانشغال بزخرفها من أكبر أسباب ضياع القلوب وانحرافها عن طريق الحق. فكم من الناس ضلوا وغرقوا في متاهات الدنيا الفانية، حتى غفلوا عن الآخرة والدار الباقية. فاللهم اربط على قلبي، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، واجعل الآخرة نصب عيني.
إن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فمن انشغل بها ضاعت عليه، ومن آثرها على الآخرة خسر الدنيا والآخرة. فلا تغتر بزخرف الدنيا ومتاعها الزائل، واعلم أن الدار الآخرة هي خير وأبقى.
اللهم اربط على قلبي، واجعله قلباً راضياً بقسمك، لا يحزن على ما فاته ولا يفرح بما آتاه، واجعل الآخرة أكبر همه.
حماية القلب من الحسد
إن الحسد من الأمراض الخطيرة التي تفتك بالقلب وتدمره، وكم من الناس مرضوا وهلكوا بسبب الحسد. فاللهم اربط على قلبي، واحفظه من الحسد والحقد، واجعلني ممن يكظم غيظه ويعفو عن الناس.
ومن علامات الحسد أن يتمنى زوال النعمة عن الغير، أو أن يفرح بمصائبهم ونكباتهم. فالحسد نار تحرق صاحبها قبل أن تحرق من يحسده، وهو من الكبائر التي نهى الله عنها ولعن أهلها.
اللهم اربط على قلبي، واجعله قلباً صافياً لا يعرف الحسد أو الحقد، واجعلني ممن يحب الخير للناس ويسعى لإسعادهم.
حماية القلب من الرياء
إن الرياء هو مرض يصيب القلب ويجعله مريضاً يظهر غير ما يبطن، وكم من الناس دخلوا النار بسبب الرياء والنفاق. فاللهم اربط على قلبي، واحفظه من الرياء والسمعة، واجعلني ممن يخلص لك القول والعمل.
ومن علامات الرياء أن يتصنع الإنسان التقوى والعبادة أمام الناس، ويخالف ذلك في السر، أو أن يعمل الأعمال الصالحة ليحمد عليها أو ليكسب منفعة دنيوية.
اللهم اربط على قلبي، ولا تجعل عملي رياء وسمعة، واجعلني ممن يعمل بإخلاص لله وحده، ولا يبتغي إلا وجهك الكريم.
حماية القلب من اليأس
إن اليأس من الأمراض الخطيرة التي تقود إلى الهلاك، فاليأس يجعل صاحبه يستسلم للفشل والإحباط، ويجعله يترك العمل والجهاد، وينسى فضل الله ورحمته. فاللهم اربط على قلبي، ولا تجعلني من اليائسين، واجعلني ممن يثق بك ويرجوك في كل الأحوال.
ومن علامات اليأس أن يترك الإنسان العمل والجهاد، ويستسلم للكسل والخمول، أو أن يعتقد أن الله لن يغفر له ذنوبه، أو أن يظن أن رحمة الله لا تشمله.
اللهم اربط على قلبي، ولا تجعلني من اليائسين من رحمتك، واجعلني ممن يثق بك ويرجوك في كل الأحوال.
خاتمـة
اللهم اربط على قلبي، واحفظه من شرور الدنيا وإغراءاتها، ومن وساوس الشيطان وهمومه. اللهم اربط على قلبي، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، واجعل الآخرة نصب عيني. اللهم اربط على قلبي، واجعله قلباً صافياً نقياً، لا يعرف إلاك ولا يحب إلا فيك.