اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا
إن الدنيا دار فانية زائلة، وإن الآخرة دار باقية دائمة، فينبغي للمؤمن أن يجعل همه الأكبر هو الآخرة، وأن لا يجعل الدنيا أكبر همه، فإن الدنيا متاع الغرور، والآخرة هي دار القرار.
خطورة الدنيا
إن الدنيا دار فتنة وابتلاء، وهي ميدان الصراع بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، وهي دار المحن والشدائد، ودار المصائب والأحزان، وهي دار الغرور والخداع، وهي دار الفناء والزوال.
وإن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وإن الآخرة هي التي تدوم وتبقى، وهي دار النعيم والسرور، وهي دار الأمن والسلام، وهي دار الخلود والبقاء.
علامات حب الدنيا
ومن علامات حب الدنيا: السعي الدائم وراء الشهوات والملذات، والحرص الشديد على جمع المال والجاه، والانشغال الدائم بأمور الدنيا عن أمور الدين، والافتتان بزينة الدنيا وزخرفها، والتعلق الشديد بالحياة الدنيا.
ومن علامات حب الدنيا أيضًا: الخوف الشديد من الفقر والمسكنة، والحرص الشديد على الدنيا والدنيا، والاكتئاب والحزن الشديد عند فقدان شيء من متاع الدنيا.
مخاطر حب الدنيا
وحب الدنيا من أخطر الأمراض التي تصيب قلب المؤمن، فهو يوقعه في الغفلة عن الله تعالى، ويصرفه عن طاعة الله عز وجل، ويقوده إلى ارتكاب المعاصي والذنوب، ويجعله عرضة لفتن الدنيا وابتلاءاتها.
وحب الدنيا يورث القلب الحسرة والندامة يوم القيامة، وهو سبب دخول النار والعياذ بالله تعالى، قال تعالى: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى [طه:131].
ترك الدنيا لله
إن ترك الدنيا لله من أعظم العبادات، وهو من علامات الإحسان إلى الله تعالى، وهو سبب الفوز برضا الله عز وجل، قال تعالى: ومن يضللني فإنك أنت الولي نعم الوكيل، ردني ردًا جميلًا وألحقني بالصالحين [غافر:8-9].
وترك الدنيا لله لا يعني ترك العمل والكد والسعي للرزق، وإنما يعني ترك حب الدنيا والحرص عليها، وعدم الركون إليها، والاعتماد على الله تعالى في الرزق.
الزهد في الدنيا
والزهد في الدنيا هو قلة الرغبة فيها، وعدم الركون إليها، والاكتفاء بالقليل منها، وقال تعالى: ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين [غافر:80].
والزاهد في الدنيا هو الذي يجعل الآخرة همه الأكبر، وهدفه الأسمى، ولا ينشغل بالدنيا عن الآخرة، ولا يبيع دينه بدنيا غيره.
الرضا بالقضاء والقدر
ومن أهم أسباب حب الدنيا السخط بالقضاء والقدر، وعدم الرضا بما قسمه الله تعالى لعبده، قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه [البيّنة:7-8].
والرضا بالقضاء والقدر هو علامة على الإيمان بالله تعالى، وتسليم أمره له، واليقين بأن الله تعالى يقدر لعباده ما فيه الخير لهم، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216].
الدنيا سجن المؤمن
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدُّنيا سجن المؤمن وجنة الكافر” [رواه مسلم].
فالمؤمن في الدنيا يشعر بالغربة والوحشة، فهو يعيش في دار لا يحبها، ولا يحبه أهلها، وهو يتطلع إلى لقاء ربه ودخول جنته.
الدنيا دار ممر لا مقر
قال تعالى: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [آل عمران:185].
والدنيا دار ممر لا مقر، فالمؤمن فيها كالطائر المهاجر، الذي لا يستقر في مكان واحد، وإنما ينتقل من مكان إلى مكان حتى يصل إلى وطنه.
الدنيا فانية والآخرة باقية
قال تعالى: كل من عليها فان [الرحمن:26].
والدنيا فانية زائلة، والآخرة باقية دائمة، فمن كان همه الدنيا فسيخسرها وسيخسر الآخرة، ومن كان همه الآخرة فسيفوز بالدنيا والآخرة.
الدنيا دار ابتلاء واختبار
قال تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [البقرة:155].
والدنيا دار ابتلاء واختبار، يمتحن الله تعالى فيها عباده بالشدائد والمحن، ليميز الصادقين من الكاذبين، والمؤمنين من المنافقين.
الدنيا متاع الغرور
قال تعالى: واعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [الحديد:20].
والدنيا متاع الغرور، فهي تزول وتفنى، ولا تبقى إلا أعمال العباد الصالحة، قال تعالى: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17].
إن الدنيا دار فانية زائلة، والآخرة دار باقية دائمة، فينبغي للمؤمن أن يجعل همه الأكبر هو الآخرة، وأن لا يجعل الدنيا أكبر همه، فإن الدنيا متاع الغرور، والآخرة هي دار القرار.