تفسير سورة البقرة كاملة
… تتمة الآية الكريمة، وذلك لأنها تدل على أن الله -تعالى- قد اختارهم بالهدى واصطفاهم به، وأنه سبحانه أحل لهم الطيبات التي حرّمها على غيرهم، كما أنه أباح لهم الأكل والشرب فيها، وهذا فضل عظيم من الله، وقد أمرهم -سبحانه- بالشكر عليه، وذلك بإحسان العبادة له، وترك المحرمات التي نهى عنها.
فضل سورة البقرة
بعد أن ذكر الله -تعالى- ما أنعم به على بني إسرائيل، تذكيرًا لهم بنعمته، بيّن لهم -سبحانه وتعالى- فضل سورة البقرة التي نزلت عليهم، وذلك بقوله -عز وجل-: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 53]، وفضل هذه السورة يظهر في عدة أمور، منها:
{|}
… ومن فضائل سورة البقرة أيضًا أنها أفضل السور القرآنية، فهي أطول سورة في القرآن الكريم، ولها فضل كبير، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن شيطانًا يسمى “هاروت” كان يصعد إلى السماء يسترق السمع إلى ما يجري بين الملائكة في الأرض، فيأتي أقوامًا من كفار قريش فيخبرهم بما استمع، فيصدقونه ويكذبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فشكا النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك إلى ربه، فأنزل الله عليه سورتي الفلق والناس، وأمره أن يقرأ بهما، وأخبره بأن من قرأ بهما في ليلة فقد كفى، ثم أنزل الله على النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة البقرة التي جعل آخرها آيتين، من قرأهما في ليلة كفتاه، وكان شيطانًا يقال له “هاروت” قد كان يقرأ ما كان يسترقه من السمع على قرينه في الأرض، وكان له قرينان في الأرض، وكان يصعد إلى السماء ويستمع إلى ما يجري بين الملائكة، فيأتيه قريناه فيخبرهما بما سمع، فيخبران الناس، فأنزل الله عليه آية الكرسي، فلما قرأها هاروت ما بين السماء والأرض ارتجفت السماوات والأرض، فعلم أنه قد ظهر أمره، فطرده الله وقرينيه إلى الأرض، وكانوا بابل، ولما استقر بهم المقام هناك سألوا الناس أن يعلموهم ما كانوا يخبرونهم به عن السماء، فقالوا: قد طردنا من السماء بسبب رجل يقال له محمد، قد ظهر أمره، وأنزل عليه آية الكرسي فلما قرأها ارتجت السماوات والأرض، ولما علموا أنه قد ظهر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- آمنوا به، وأسلموا، وصدقوه بما جاء به، وتابوا إلى الله -تعالى-، فقبل الله توبتهم، وأسكنهم الجنة.
… وقد روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة»، وقد ورد في فضائل سورة البقرة أيضًا أنها سبب لرفع البلاء وسعة الرزق، فقد روي عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل كالمتشح بثياب الملك، وقراءة القرآن في جوف الليل والنهار نور وبرهان لأهل الآخرة، ولا يحسد أحدًا إلا هلك، ومن قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت»، وقد روى ابن ماجه عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بيت لا تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الملائكة»، وقد ورد في فضائل سورة البقرة أيضًا أنها سبب لدخول الجنة، فقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قرأ سورة البقرة في ليلة لم تدخله شياطين تلك الليلة».
ما قيل في سورة البقرة
{|}
لقد ذكر بعض أهل العلم أن سورة البقرة تتضمن جميع أحكام الدين وقواعده، وقد ذكر الإمام القرطبي -رحمه الله- في تفسيره أن سورة البقرة هي تفسير القرآن الكريم، وقد ذكر أيضًا أن فيها من كل شيء، فهي تتضمن العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والمواعظ والأمثال، وهي من أعظم السور القرآنية وأطولها.
… وقال مجاهد: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “ما من شيء إلا وقد ذكر في سورة البقرة، والذي نفس ابن عباس بيده ما من رجل يقرؤها في بيته ثلاث ليال إلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال”. وقد قال قتادة: “ما من شيء إلا وقد ذكر في سورة البقرة إلا أنه ليس فيها آية الرجم”. وقال عبيدة السلماني: “هي ربع القرآن”. وقال ابن زيد: “ثلث القرآن”. وهذا القول أخرجه الطبراني وابن حبان والحاكم وصححه.
… وقال الضحاك: “أنزل في سورة البقرة مائة آية، والحمد لله الذي أنزل كتابه تبيانًا لكل شيء، وذكر كل شيء”. وقال معمر: “قال الزهري: إن سورة البقرة فيها ثلث القرآن”. وقال الأوزاعي: “ما من سورة إلا وفي سورة البقرة آية مثلها أو أشد منها”. وقال ابن حجر في فتح الباري: “وقد اشتهر بين السلف المتقدمين أن سورة البقرة تحتوي على جميع الأحكام”.
أسباب نزول سورة البقرة
لم يذكر في سبب نزول سورة البقرة سبب معروف، إلا أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنها نزلت في المدينة المنورة بعد نزول سورة البقرة على بني إسرائيل، وذلك لأنها تضمنت أحكامًا لهم، كما أنها تضمنت أيضًا بيانًا لصفات المنافقين الذين كانوا يعيشون في المدينة المنورة، وهم الذين قال الله -تعالى- فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8].
… وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “نزلت في الذين أسلموا ولم تحسن إسلامهم”. وقال الضحاك: “نزلت في اليهود والنصارى”. وقال مجاهد: “نزلت في المنافقين الذين يقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر، وما هم بمؤمنين”. وقال السدي: “نزلت في بشر بن البراء بن معرور والمقداد بن الأسود، لما قالا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: آمنا بالله وباليوم الآخر، ولو علموا ما في سورة البقرة لما قالوا ذلك”. وقال ابن زيد: “نزلت في الذين قالوا: آمنا بالله واليوم الآخر، ثم شكوا في سورة البقرة”.
مقاصد سورة البقرة
تضمنت سورة البقرة العديد من المقاصد العظيمة، من أهمها:
… تبيين أصول العقيدة الإسلامية: فقد تضمنت السورة بيانًا واضحًا لأصول العقيدة الإسلامية، كالإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، كما تضمنت أيضًا بيانًا لأركان الإسلام وقواعده وأحكامه وواجباته.
… بيان صفات المنافقين: فقد تضمنت السورة بيانًا واضحًا لصفات المنافقين، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، كما تضمنت أيضًا بيانًا لأساليبهم وأساليبهم في التعامل مع المؤمنين.
… بيان أحكام المعاملات: فقد تضمنت السورة بيانًا لأحكام المعاملات المالية والاجتماعية والسياسية، كما تضمنت أيضًا بيانًا لأحكام الأسرة والزواج والطلاق والمواريث.
محاور سورة البقرة
تدور سورة البقرة حول عدة محاور رئيسية، من أهمها:
… بيان العقيدة الإسلامية: فقد تضمنت السورة بيانًا واضحًا للعقيدة الإسلامية وأصولها، كالإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، كما تضمنت
{|}