جعلنا من بين ايديهم سدا
قال تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (يس: 9).
مفهوم الآية
تفسر الآية الكريمة أن الله -عز وجل- قد جعل أمام الكفار والمعاندين حاجزًا يمنعهم من رؤية الحق والهداية، ويحيط بهم من جميع الجهات ليحجب الضوء عن قلوبهم، ويحول دون وصول نور الإيمان إليها.
أنواع السد
يشير مفهوم السد في الآية إلى أنواع مختلفة من الحجب والمعوقات، منها:
سد القلوب: حجبت القلوب عن الإيمان بسبب الكبر والغرور والعصيان.
سد الأبصار: حجبت الأبصار عن رؤية الحقائق والعلامات الدالة على وجود الله تعالى.
سد الآذان: حجبت الآذان عن سماع كلام الله وهداية رسله.
سد العقول: حجبت العقول عن التفكير والإدراك الصحيح، فلم تعد قادرة على التمييز بين الحق والباطل.
أسباب وجود السد
يوجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى وجود السد عند الإنسان، منها:
الإعراض عن الحق: تجاهل الحقائق الواضحة وعدم الرغبة في البحث عنها والتفكر فيها.
التمسك بالباطل: التشبث بالمعتقدات الخاطئة والآراء الفاسدة حتى وإن ثبت بطلانها.
اتباع الهوى: الانسياق وراء الرغبات والشهوات الدنيوية التي تحجب عن الحق.
الاستكبار على الله: الاعتداد بالنفس والغرور بالأعمال، وعدم الخضوع لله تعالى.
عاقبة وجود السد
إن وجود السد عند الإنسان له عواقب وخيمة، منها:
العمى الروحي: عدم القدرة على رؤية الحقائق الإلهية والتفرقة بين الخير والشر.
الضلال والانحراف: الانحراف عن الطريق القويم واتباع السبل الضالة.
العذاب في الدنيا والآخرة: حرمان الإنسان من رحمة الله تعالى في الدنيا وعذابه الشديد في الآخرة.
طرق إزالة السد
هناك طرق عديدة يمكن للإنسان اتباعها لإزالة السد عن قلبه وبصره، منها:
التوبة النصوح: الرجوع إلى الله تعالى بصدق وندم، والابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
الاستغفار والدعاء: كثرة الاستغفار والدعاء إلى الله تعالى بفك الكرب وإزالة الحجب.
طلب العلم: اكتساب المعرفة الدينية الصحيحة من مصادرها الثابتة.
الصحبة الصالحة: مصاحبة أهل العلم والدين والتقوى.
أهمية إزالة السد
إن إزالة السد عن القلب والبصر أمر بالغ الأهمية لأنه يؤدي إلى:
رؤية الحقائق الإلهية: إدراك عظمة الخالق ورحمته وعذابه.
اتباع الطريق المستقيم: الالتزام بشرع الله تعالى واتباع هدي رسوله.
نيل رضا الله تعالى: اكتساب الحسنات والتقرب من الله بالطاعات والعبادات.
حكم السد في الآخرة
سيبقى السد موجودًا في الآخرة لمن مات على الكفر والمعاصي، وذلك:
لزيادة عذاب الكافرين: حرمانهم من نعيم الجنة وزيادة عذابهم بسبب إصرارهم على الكفر.
لتبرئة الله من ظلمهم: إثبات عدل الله تعالى في عقابه لهم وبيان أنهم هم من وضعوا السد على قلوبهم وبصرهم.
للإعلاء من شأن المؤمنين: تمييز المؤمنين الصالحين الذين أزالوا السد عن قلوبهم وأبصارهم ورفعوا درجاتهم في الجنة.
وختامًا، فإن جعل الله -عز وجل- سدًا أمام الكافرين حجبًا لهم عن إدراك الحقائق الإلهية واتباع الهداية، وإن وجود هذا السد ينتج عن أسباب مختلفة ويؤدي إلى عواقب وخيمة، وإن إزالته واجبة على المؤمنين لتحقيق رؤية الحقائق الإلهية واتباع الطريق المستقيم ونيل رضا الله تعالى، وسيكون السد يوم القيامة محبسًا وحجابًا لأهل الكفر والعصيان، بينما سيكون المؤمنون الصالحون الذين أزالوا السد من قلوبهم وبصرهم في نعيم مقيم في الجنة.