الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، أما بعد:
حسبي الله على كل من تكلم عني بسوء
تبدأ مظلومية الإنسان الحقيقية عندما تتكلم الألسن عنه بالسوء، ويتهم من قبل الآخرين ظلماً وعدواناً، وغالبًا ما تحدث هذه المظلومية عندما يكون الإنسان بريئًا من كل ما ينسب إليه ويثقل كاهله، فيبقى وحيدًا ناقمًا على كل من نال منه دون سبب، ويشعر بضيق في صدره من جراء الكلمات القاسية التي يسمعها في حقه، ويبقى في دوامة من التفكير حول أفضل طريقة للرد على الظلم الذي يعانيه.
من أسباب تعرضي للكلام السيء
في الحقيقة، هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى تعرض الإنسان للكلام السيء، ومن أهم هذه الأسباب:
- الحسد: الحسد من أهم الأسباب التي تدفع البعض للحديث عن الآخرين بالسوء، فقد يحسدهم على مكانتهم الاجتماعية أو العلمية أو حتى المادية، فيحاولون النيل منهم بأي طريقة كانت، وعن طريق نشر الإشاعات الكاذبة أو التشهير بهم.
- الكراهية: الكراهية هي شعور قوي تجاه شخص ما، قد تؤدي إلى اتخاذ سلوكيات عدائية تجاهه، ومن أهم هذه السلوكيات هو الكلام السيء، وقد تنشأ الكراهية بسبب الخلاف في الرأي أو المعتقد أو حتى لأسباب شخصية.
- الغيرة: الغيرة من الصفات السيئة التي تنتاب الإنسان عندما يرى الآخرين أفضل منه، وتدفعه هذه الغيرة إلى محاولة التقليل من شأنهم أو الحديث عنهم بالسوء لكي يشعر بالارتياح.
أنواع الكلام السيء وتأثيره السلبي
هناك عدة أنواع للكلام السيء، لكل منها تأثيره السلبي على النفس البشرية، ومن أهم هذه الأنواع:
- السب والشتم: هو أبشع أنواع الكلام السيء، حيث يتلفظ الشخص بألفاظ بذيئة وقاسية تجاه الآخرين، ويؤدي هذا النوع من الكلام إلى جرح مشاعر الشخص المستهدف وإهانته.
- النميمة والقيل والقال: وهي من أنواع الكلام السيء التي تشيع في مجتمعنا بشكل كبير، وتتمثل في نقل أخبار الآخرين والكلام عنهم في غيابهم، ويؤدي هذا النوع من الكلام إلى زعزعة الثقة بين الناس.
- الكذب والافتراء: الكذب من أسوأ أنواع الكلام السيء، وهو عبارة عن اختلاق أخبار كاذبة حول الآخرين، والافتراء هو نسبة كلام أو فعل سيء إلى شخص بريء منه، ويؤدي هذين النوعين من الكلام إلى الإضرار بسمعة الشخص المستهدف.
كيف نواجه من يتكلم عنا بالسوء
إن مواجهة من يتكلم عنا بالسوء أمر صعب للغاية، لكن علينا أن نتبع بعض الخطوات الهامة للتعامل مع هذه المواقف:
- تجاهل الكلام السيء: هي أفضل طريقة للرد على من يتكلم عنا بالسوء، فإذا تجاهلنا كلامه، سيضيق صدره ويغضب منا، لأنه كان ينتظر منا أن نرد عليه بشدة.
- الصبر على الأذى: علينا أن نتحمل الأذى الذي نتعرض له من قبل الآخرين، فنحن بشر معرضون للخطأ، ولا يجب أن ننجر وراء أفعالهم السيئة.
- الدعاء على من ظلمنا: يجب أن ندعو الله عز وجل على من ظلمنا وتكلم عنا بالسوء، فالدعاء هو سلاح المؤمن، وهو أفضل طريقة للانتقام من الظالمين.
عواقب الكلام السيء في الدنيا والآخرة
إن الكلام السيء له عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، ومن أهم هذه العواقب:
- كراهية الله تعالى: الكلام السيء من الكبائر التي يكرهها الله عز وجل ونهى عنها في كتابه العزيز، وقد قال الله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” (البقرة: 206).
- قطع الأرحام: الكلام السيء يؤدي إلى قطع الأرحام، وقد نهى الله عز وجل عن قطع الأرحام، وقال الله تعالى: “وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلْتُمْ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء: 1).
- حرمان الرزق: الكلام السيء قد يؤدي إلى حرمان الرزق، وقد قال الله تعالى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىً” (طه: 124).
الحكمة من تعرض المؤمن للكلام السيء
إن تعرض المؤمن للكلام السيء من الأمور التي حيرت الكثير من الناس، ولكن هناك حكم كثيرة من وراء ذلك، ومن أهم هذه الحكم:
- امتحان المؤمن: الكلام السيء يعد من أنواع البلاء التي يبتلي بها الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين لاختبار صبرهم وقوة إيمانهم، فكما قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 155).
- رفع الدرجات: إن الصبر على الكلام السيء من أسباب رفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وقد قال الله تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الزمر: 10).
- زيادة الحسنات: إن الصبر على الكلام السيء يعد من أنواع العبادات، فمن صبر محتسباً لله تعالى، زاد الله تعالى في حسناته، وقد قال الله تعالى: “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” (هود: 114).
كيف نحمي أنفسنا من الكلام السيء
هناك عدة أمور يمكننا اتباعها لحماية أنفسنا من الكلام السيء، ومن أهم هذه الأمور:
- الابتعاد عن مجالس السوء: إن مجالس السوء تعد من أسباب تعرض الإنسان للكلام السيء، لذلك يجب علينا أن نبتعد عن هذه المجالس، ونجالس أهل الخير والصلاح.
- إصلاح اللسان: يجب علينا أن نتحكم في ألسنتنا، ونتجنب الكلام السيء عن الآخرين مهما كانت الظروف، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
- التوكل على الله تعالى: يجب علينا أن نتوكل على الله تعالى في كل أمورنا، ونترك له أمر الرد على من ظلمنا وتكلم عنا بالسوء، فكما قال الله تعالى: “وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْوَلِيُّ النَّصِيرُ” (الشورى: 9)