حكم زيارة الرجال للقبور لأخذ العظة والعبرة
مقدمة
زيارة المقابر، أو كما يُعرف باسم “زيارة القبور”، هو عرف منتشر في المجتمعات الإسلامية لمئات السنين، ويعتبرها المسلمون وسيلة لأخذ العظة والعبرة من الموت والآخرة. ويختلف حكم هذه الزيارة للرجال عنها للنساء، وفي هذا المقال سنتناول حكم زيارة الرجال للقبور لأخذ العظة والعبرة، مستندين إلى الأدلة الشرعية من القرآن والسنة.
1. حكم زيارة الرجال للقبور في الأصل
{|}
الأصل في زيارة القبور الجواز، فقد ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكر بالموت”. وفي رواية أخرى: “فإنها تذكر الآخرة”.
وفي حديث آخر رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، وعلى قبر، فسمع صوتًا، فقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: قبر فلان، كان يقرأ القرآن، فإذا مرَّ بآية وهو يقرأها رحمها وقف، وإذا مرَّ بآية وهو يقرأها عذبها وقف. قال: ارفعوا عنه، فرفعوا، فجعل يتفجّج الماء من قبره”.
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن زيارة القبور جائزة للرجال والنساء على حد سواء، وأنها تذكر بالآخرة والموت، وتبعث على التأمل والتفكر في الدنيا وما بعدها.
2. زيارة القبور لأخذ العظة والعبرة
ومن بين أهداف زيارة القبور أخذ العظة والعبرة، حيث يرى المسلم القبور أمامه، ويتذكر الموت والآخرة، ويتأمل في مصيره ومصير من سبقه إلى الدار الآخرة.
فعندما يزور المسلم القبور، يتذكر أن كل نفس ذائقة الموت، وأن الدنيا دار فانية، وأن الآخرة هي الدار الباقية، وأن عليه أن يعمل صالحًا ليحصد ثماره في الآخرة.
كما تتذكر زيارة القبور بالفناء والزوال، وأن الدنيا وما فيها من متاع ومتعة زائل لا محالة، وأن الآخرة هي دار القرار.
3. آداب زيارة القبور
وعند زيارة القبور، يجب على المسلم مراعاة بعض الآداب، منها:
– الدعاء للموتى والاستغفار لهم، كما ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زار القبور، قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله العافية لنا ولكم، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد”.
– عدم الجلوس على القبور، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه”.
– عدم البناء على القبور، فقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”.
4. النهي عن النوح واللطم عند زيارة القبور
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النوح واللطم عند زيارة القبور، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النائحة والمستمعة”.
كما ورد في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الميت يعذب ببكاء أهله عليه”.
{|}
والنهي عن النوح واللطم عند زيارة القبور مبني على أن هذه الأمور تتعارض مع الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وتظهر ضعف الإيمان بالقدر والآخرة.
5. كراهة زيارة القبور ليلاً
{|}
يكره زيارة القبور ليلاً، لما في ذلك من رهبة وخوف، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “لا تدخلوا المقابر إلا في النهار، أو عند الغروب لعلكم تذكرون الآخرة”.
كما أن زيارة القبور ليلاً قد تؤدي إلى بعض المخاطر، كالتعرض لأذى الجن أو اللصوص، لذلك ينبغي تجنبها.
{|}
6. زيارة القبور في الأعياد والمناسبات
يجوز زيارة القبور في الأعياد والمناسبات، ولكن لا ينبغي إغفال زيارة الأرحام وصلة الأقارب في مثل هذه المناسبات، فقد ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “حق على كل مسلم أن يحسن إلى جاره، حتى يراه في عيده، وشم النسيم”.
ويكون زيارة القبور في الأعياد والمناسبات فرصة لأخذ العظة والعبرة وتذكر الموت والآخرة، مع مراعاة آداب زيارة القبور.
{|}
7. زيارة القبور عند السفر
يجوز زيارة القبور عند السفر، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكر بالموت”.
وقد يكون السفر فرصة لزيارة قبور الأهل والأقارب، وأخذ العظة والعبرة من الموت والآخرة.
خاتمة
زيارة القبور للرجال لأخذ العظة والعبرة جائزة ومستحبة، فهي تذكر بالآخرة والموت، وتدعو المسلم إلى التأمل والتفكر في الدنيا وما بعدها، وتحثه على العمل الصالح.
ولكن يجب مراعاة آداب زيارة القبور، مثل الدعاء للموتى والاستغفار لهم، وعدم الجلوس على القبور أو البناء عليها، وتجنب النوح واللطم، وكراهة زيارة القبور ليلاً، والجمع بين زيارة القبور وصلة الأرحام في الأعياد والمناسبات، وإمكانية زيارة القبور عند السفر.