وافوض امري الى الله
اللجوء إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، من أهم أسباب الراحة والطمأنينة في القلب، ومن أقوى الدوافع إلى الإقدام على الأعمال، وتحمل المشاق، على أمل الفوز بالنجاح، والظفر بالفلاح، ولا سيما إذا كان الأمر ذا بال، وعظيم الشأن، وعسير المنال.
معنى التفويض
التفويض، هو تفويض الأمر إلى الغير، وإحالة التصرف إليه، والتسليم لحكمه، فإذا فوض العبد أمره إلى الله تعالى، فذلك يعني إحالة التصرف إليه، والإذعان لحكمه، والرضا بقضائه.
والتفويض لا يعني الكسل والقعود عن العمل، بل هو توكل على الله، مع بذل الأسباب، والعمل بالوسائل الممكنة، فليس من التفويض أن يترك العبد العمل ثم يقول وفوضت أمري إلى الله، بل عليه أن يتوكل على الله، ويبذل الأسباب، ثم يفوض الأمر إليه.
أسباب التفويض
ثقة العبد بربه، ومعرفته بقدرته، وإيمانه بحكمته، من أهم أسباب التفويض إليه، فمن علم أن الله تعالى قادر على كل شيء، وأنه حكيم لا يفعل إلا ما فيه الخير لعباده، فإنه يطمئن قلبه، ويفوض أمره إليه.
والتجربة والاختبار، من أسباب التفويض، فمن جرب لطف الله تعالى، ورعايته، وكفايته، وثق به، وفوض أمره إليه، ومن ذاق حلاوة الإيمان، ووجد طعم التوكل على الله، صار التفويض ديدنه، وديدن أوليائه.
وإدراك العبد لضعفه، وقصوره، وافتقاره إلى ربه، من أهم أسباب التفويض، فمن عرف نفسه، وعرف ربه، علم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله تعالى، ففوض أمره إليه، واستعان به على أموره.
ثمار التفويض
راحة القلب، وطمأنينته، من أهم ثمار التفويض، فمن فوض أمره إلى الله تعالى، اطمأن قلبه، وسكن روعه، وذهب عنه القلق والاضطراب، فلا خوف عليه، ولا حزن، ولا هم، ولا غم، فالله تعالى كفاه أمره، ورعاه وحفظه.
وتيسير الأمور، من ثمار التفويض، فمن فوض أمره إلى الله تعالى، يسره الله تعالى في أموره، وكفاه مؤونة التفكير والتدبير، وفتح له أبواب الرزق، وسهل له الطرق، فالله تعالى هو الرزاق، وهو المعين، وهو الميسر للأمور.
والظفر بالنجاح، من ثمار التفويض، فمن فوض أمره إلى الله تعالى، نصره الله تعالى، وأعانه على عدوه، ووفقه إلى ما فيه الخير، فلا غالب لمن نصره الله، ولا ناصر لمن خذله الله.
سبل التفويض
الإكثار من ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والدعاء، من أهم سبل التفويض، فذكر الله تعالى يطرد الشيطان، ويطمئن القلب، وينير البصيرة، ويقوي الإيمان، ويبعث على التوكل والتفويض.
والتفكر في قدرة الله تعالى، وحكمته، ورحمته، من سبل التفويض، فمن تأمل قدرة الله تعالى، وحكمته، ورحمته، وثق به، وفوض أمره إليه، ولم يقلق قلبه على شيء.
والتسليم لحكم الله تعالى، والرضا بقضائه، من أهم سبل التفويض، فمن سلم لله تعالى، ورضي بقضائه، اطمأن قلبه، وفوض أمره إليه، ولم يتذمر، ولم يتشك، فالله تعالى هو الأعلم بمصالح العباد، وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه الخير لعباده.
أمثلة على التفويض
ومن أمثلة التفويض، ما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين ألقي في النار، فلم يقلق قلبه، ولم يحزن، بل فوض أمره إلى الله تعالى، وقال: “حسبي الله ونعم الوكيل”، فأنجاه الله تعالى من النار، وأعزه على عدوه.
ومن أمثلة التفويض، ما فعله سيدنا يوسف عليه السلام، حين سجن ظلما، فلم يتذمر، ولم يتشك، بل فوض أمره إلى الله تعالى، وقال: “رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”، فأعزه الله تعالى، وجعله ملكا على مصر.
ومن أمثلة التفويض، ما فعله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حين هاجر من مكة إلى المدينة، فلم يقلق قلبه، ولم يخف من عدوه، بل فوض أمره إلى الله تعالى، وقال: “إني توكلت على الله ربي وربكم”، فنصره الله تعالى على عدوه، وأعزه ونصره.
التفويض في القرآن الكريم
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث على التفويض إلى الله تعالى، منها قوله تعالى: “وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين”، وقوله تعالى: “فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”، وقوله تعالى: “ففوضوا أمركم إلى الله إن الله يحب المتوكلين”.
وفي هذه الآيات الكريمة، حث الله تعالى عباده على التفويض إليه، والتوكل عليه، والاعتماد عليه، في كل أمورهم، فالله تعالى هو الرزاق، وهو المعين، وهو الناصر، وهو الحفيظ، وهو الكريم، وهو الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
التفويض في السنة النبوية
وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على التفويض إلى الله تعالى، منها قوله عليه الصلاة والسلام: “من توكل على الله كفاه الله”، وقوله عليه الصلاة والسلام: “ألا إن القوة في التوكل على الله”، وقوله عليه الصلاة والسلام: “ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة أو صدقة أو تفويض إلى الله”.
وفي هذه الأحاديث الشريفة، حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه في كل أمورهم، فالله تعالى هو الكفيل برزقهم، وهو الناصر لهم، وهو الذي يكفيهم شرور أنفسهم، وشرور الناس، وهو الذي يدفع عنهم المكاره، وينزل عليهم الخيرات.
وفي الختام، فإن التفويض إلى الله تعالى، من أهم أسباب الراحة والطمأنينة في القلب، ومن أقوى الدوافع إلى الإقدام على الأعمال، وتحمل المشاق، على أمل الفوز بالنجاح، والظفر بالفلاح، فلا تقلق على شيء، ولا تحزن على شيء، ولا تخف من شيء، فالله تعالى هو الرزاق، وهو المعين، وهو الناصر، وهو الحفيظ، وهو الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، ففوض أمرك إليه، واستعن به، وتوكل عليه، فإنه خير وكيل.