وجعلنا من بين أيديكم ومن خلفكم
وجعلنا من بين أيديكم ومن خلفكم رصدا أي أماكن كمين ومكمن تحرسكم من أعدائكم، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة فلن يستطيعوا قهركم مهما جهزوا لأن الله حافظكم، واعلموا أن القوة لا تكون إلا بتقوى الله وطاعته ونصره لعباده المؤمنين، إن كنتم مؤمنين حقا؛ فلتعتمدوا على الله وحده ولا تعتمدوا على غيره، واعملوا بكل ما تستطيعون لأخذ أسباب النصر، وليعلم أعداؤكم أنكم أقوياء وأنكم لا تخشونهم مهما فعلوا، فإن في إعداد القوة وإشعار العدو بها زاجرا له عن التعدي ومنعه من التفكير في الحرب، فإذا رأى عدوك قوتك وهيبتك فإنه سرعان ما ينكفئ على عقبيه، وربما فر منك دون قتال، وإن كان عدوك قويا ففي إعداد القوة ردع له عن التمادي في عدوانه، وربما ييأس من الظفر بك فيكف عن قتالكم، وإذا صمم على الحرب معكم ففي إعداد القوة ما يعطيكم الأمل في النصر عليه ويحقق لكم هذا الأمل فيما بعد.
رصد من الله
وذكر كلمة “رصدا” من الله تعالى يربي في المسلم روح الثقة بنصر الله تعالى، فهو القائل لعباده المؤمنين: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، فهو الحافظ لعباده المؤمنين، وهو القوي العزيز الجبار، وهو الذي لا يغلب، ولا يقهر، ولا يضام، وهو الذي يقهر بعباده من يشاء من خلقه، وينصرهم على أعدائهم، فإذا كان الله حافظكم فناصركم لا محالة.
وإذا كان الله حافظكم، وجعلكم محروسين من كل جانب، كما قال تعالى: فإنا سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، فعليكم بالطاعة له، واعملوا بما أمركم، واتركوا ما نهاكم عنه، ولتكن قلوبكم معلقة بالله وحده، ولتكن ثقتكم به كاملة، ولتكن أعمالكم صالحة مرضية له، ولتكن عبادتكم خالصة لوجهه الكريم، فإنكم إذا فعلتم ذلك كان الله معكم، وكان الله معكم فلن يضركم أحد، مهما كانت قوته، ومهما كان عدده وعتاده.
وقد ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه جعل من بين أيدي المؤمنين ومن خلفهم رصدا، ولم يذكر أنه جعل معهم رصدا، وذلك لأن العدو لا يتقدم إلا من بين يدي المؤمنين أو من خلفهم، أما من جهتهم الأخرى فإن الله تعالى له الرصد والحراسة، فهو الحافظ لهم من كل جانب، وهو الكفيل بنصرهم وتأييدهم.
حفظ الله للمؤمنين
وذكر كلمة “رصدا” في الآية الكريمة يفيد أنه جعل من بين أيدي المؤمنين ومن خلفهم قوة تحرسهم من أعدائهم، وتحفظهم من شرورهم ومكائدهم، وهذا يدل على عنايته تعالى بهم، وحرصه على حفظهم، وصيانتهم من كل مكروه، وقد قال تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، وقال تعالى: ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
فالمسلمون في حفظ الله تعالى، ورعايته، وعنايته، وفي كنف قدرته، وحمايته، لا يضرهم أحد، ولا ينالهم مكروه، ما داموا متمسكين بدينهم، عاملين بأحكام شريعتهم، محافظين على حدود ربهم، معتصمين بحبله المتين، قد ألجأوا أنفسهم إليه، واستسلموا لحكمه، وألقوا إليه مقاليد أمورهم، وتوكلوا عليه في كل أمورهم، فإن الله تعالى لا يضيع من توكل عليه، ولا يخيب من التجأ إليه، ولا يخذل من استنصره.
وإذا كان الله تعالى قد جعل من بين أيدي المؤمنين ومن خلفهم رصدا، فإنه قد جعل معهم أيضا رصدا، قال تعالى: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وقال تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين، وقال تعالى: وإن الله مع المؤمنين.
إعداد القوة
وذكر كلمة “وأعدوا” في الآية الكريمة يفيد أنه يجب على المؤمنين أن يعدوا ما استطاعوا من قوة، وذلك للدفاع عن أنفسهم، وحماية دينهم، وحفظ بلادهم، ورد عدوان الأعداء، وإرهاب قلوبهم، وإشعارهم بأنهم أقوياء، وأنهم لا يخشونهم، وأنهم مستعدون لمواجهتهم، مهما كانت قوتهم، ومهما كان عددهم وعتادهم.
وإعداد القوة يكون بتحصين البلاد، وتدريب الجيوش، وإعداد السلاح، وتوفير العتاد، وتدريب المدنيين على الدفاع عن أنفسهم، وإعداد الخطط العسكرية، والبرامج التدريبية، والدورات التأهيلية، والتمارين العملية، وكل ما من شأنه أن يجعل المؤمنين أقوياء، قادرين على رد عدوان الأعداء، والتصدي لهم، وإرهاب قلوبهم، وإشعارهم بأنهم أقوياء، وأنهم لا يخشونهم.
وإعداد القوة واجب على كل مسلم، وعلى كل مسلمة، وعلى كل قادر، وعلى كل مقتدر، وعلى كل من يستطيع أن يفعل شيئا، فمن استطاع أن يعد سلاحا فعليه أن يعده، ومن استطاع أن يتدرب على القتال فعليه أن يتدرب، ومن استطاع أن يوفر عتادا فعليه أن يوفره، ومن استطاع أن يشارك في الدفاع عن بلاده فعليه أن يشارك، ومن استطاع أن يدعم المجهود الحربي فعليه أن يدعمه.
القوة في تقوى الله
وتجدر الإشارة إلى أن القوة الحقيقية ليست في كثرة السلاح، ولا في عدد الجيوش، ولا في قوة العتاد، وإنما القوة الحقيقية في تقوى الله تعالى، وفي طاعته، وفي نصره لعباده المؤمنين، وقد قال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وقال تعالى: وما النصر إلا من عند الله، وقال تعالى: والله غالب على أمره.
فإذا كان المسلمون متقين لله تعالى، مطيعين له، عاملين بأحكام شريعته، محافظين على حدوده، معتصمين بحبله المتين، فإن الله تعالى سينصرهم، ويثبت أقدامهم، ويهزم أعداءهم، ويوليهم الأدبار، مهما كانت قوتهم، ومهما كان عددهم وعتادهم، وقد قال تعالى: وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
لذلك، فإن على المؤمنين أن يعتمدوا على الله تعالى قبل كل شيء، وأن يتوكلوا عليه في كل أمورهم، وأن يجعلوه نصب أعينهم في كل أعمالهم، فإذا فعلوا ذلك فإن الله تعالى سينصرهم، ويثبت أقدامهم، ويهزم أعداءهم، ويوليهم الأدبار، مهما كانت قوتهم، ومهما كان عددهم وعتادهم.
القوة لا تكون إلا بتقوى الله وطاعته
وذكر جملة “فلن يستطيعوا قهركم” في الآية الكريمة يفيد أن أعداء المؤمنين لن يستطيعوا قهرهم، مهما جهزوا من قوة، ومهما حشدوا من جيوش، ومهما أعدوا من عتاد، وذلك لأن القوة الحقيقية في تقوى الله تعالى، وفي طاعته، وفي نصره لعباده المؤمنين، وقد قال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وقال تعالى: وما النصر إلا من عند الله، وقال تعالى: والله غالب على أمره.
فإذا كان المسلمون متقين لله