وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
مدخل
تتضمن هذه الآية الكريمة حكمة بالغة وعبرة عميقة، فقد قال الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة: 216]. وتحمل هذه الآية في طياتها العديد من المعاني والدروس التي ينبغي للمسلم تأملها والعمل بها.
الحكمة من ابتلاء الإنسان بالمكاره
يبتلي الله الإنسان بالمكاره لاختبار صبره وتحملاته، ليعلم الله مدى إيمانه ورضاه بحكمته وقضائه.
كما يبتلي الله الإنسان بالمكاره ليكشف عن حقيقته ويظهر ما في قلبه، فربما تتبدل المشاعر والأحوال، فيظهر النفاق ويخفى الإيمان.
ومن الحكمة في ابتلاء الإنسان بالمكاره أن يقدر النعم التي أنعم الله بها عليه، فبمعرفة المصاعب والشدائد يدرك الإنسان قيمة العافية والرخاء.
الحكمة من تطلع الإنسان إلى المحاب
يتطلع الإنسان إلى المحاب بشكل طبيعي، إذ جبل على حب ما ينفعه ويستلذ به، وهذا التطلع سنة فطرية قائمة على الحكمة الإلهية.
غير أن الإنسان قد تشتبه عليه الأمور فيرى الشيء النافع له ضارا، والشيء الضار له نافعا، فحكمة الله تقتضي أن يوفق عباده لما فيه صلاحهم.
وقد يختبر الله الإنسان بتحقيق أمنياته ليرى كيف يتصرف معها، فإما أن يشكر الله ويخدم خلقه، أو يتكبر ويتجبر عليهم.
عاقبة كراهية ما يحبه الله
إذا كره الإنسان شيئا أراده الله له، فإنه يعرض نفسه لسخط الله وعقابه، إذ أنه بذلك يرفض ما اختاره الله له، وهذا من علامات عدم الرضى والتسليم بقضاء الله.
ومن عاقبة كراهية ما يحبه الله أن يبتلي الإنسان بما هو أشد وأصعب، حتى يرضى بحكم الله وقضائه.
فقد يكون الشيء الذي يكرهه الإنسان هو طريقا لنجاته وفلاحه، فلو علم الإنسان الغيب كما يعلمه الله، لما كره ما أراده الله له.
عاقبة حب ما يكرهه الله
إذا أحب الإنسان شيئا كرهه الله تعالى، فإنه يعرض نفسه لغضب الله وسخطه، إذ أنه بذلك يختار ما يغضب الله ويبعده عن رضوانه.
ومن عاقبة حب ما يكرهه الله أن يصاب الإنسان بالفتن والابتلاءات التي تصرفه عن طاعة الله وعبادته.
كما قد يعمي الله بصيرة من يحب ما يكرهه، فلا يستطيع التمييز بين الحق والباطل، ويقع في الشرك والضلال.
دور الإيمان في التعامل مع المكاره والمحاب
إن الإيمان بالله تعالى وتوكلنا عليه يجعلنا نرضى بقضائه وحكمته، ونحسن الظن به في جميع الأحوال.
وعلى المسلم أن يثق بأن الله تعالى لا يريد لعباده إلا الخير، وأن ما يصيبهم من مكاره أو محاب إنما هو لمصلحتهم.
فعلى المسلم أن يدعو الله تعالى في كل الأحوال، وأن يسأله الخير والصلاح، وفي الوقت نفسه يرضى بما يقدره الله له، قال تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير [الأنعام: 17].
خاتمة
في ختام هذه المقالة، نستخلص أن الآية الكريمة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة: 216] تحمل في طياتها معاني عميقة وحكمة عظيمة. وإن على المسلم أن يتأمل هذه الآية ويدرك معانيها، وأن يعيش حياته وفقها، راضيا بقضاء الله وحكمته، مدركا أن ما يكرهه قد يكون خيرا له، وما يحبه قد يكون شرا له، وأن الله تعالى يعلم ما لا يعلمه هو. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.