الله يلهمكم الصبر و السّلوى
إنّ فقدان الأحبّة مصابٌ جللٌ يُخلّف وراءه جرحاً عميقاً في النفس، ويترك فراغاً يصعب ملؤه، وقد ضرب الله تعالى لنا أمثلة لأولياءه الصابرين الذين ابتلاهم بفقدان أحبتهم، فكان صبرهم والتزامهم بأوامره عز وجلّ مثلاً أعلى لنا في مواجهة مصائب الحياة، فاللهم إنا نسألك الصبر والسلوان ونعوذ بك من الجزع والفزع.
أولاً: فضل الصبر في مواجهة المصائب
للصبر فضلٌ عظيمٌ في مواجهة مصائب الحياة، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 155-157)، وفي هذه الآية الكريمة بشرى عظيمة للصابرين بأنهم سيلقون من الله تعالى الصلاة والرحمة والهداية.
والصبر على المصائب من أعظم العبادات وأجلّ القربات إلى الله تعالى، فمن صبر واحتسب عند نزول المصيبة كتب الله له الأجر العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” (البخاري ومسلم).
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صبراً على المصائب والشدائد، فقد فقد زوجته خديجة رضي الله عنها وهي من أحبّ الناس إليه، وتوفي ابنه إبراهيم وهو طفل صغير، وفقد عمه أبا طالب الذي كان له نعم السند والمعين، ومع ذلك لم يجزع ولم يفزع، بل صبر واحتسب الأجر عند الله تعالى.
ثانياً: خطوات الصبر على فقد الأحبة
الصبر على فقد الأحبة يحتاج إلى إيمان قوي بالله تعالى وتصديق بوعده والثقة بقضائه وقدره، ويساعد اتباع الخطوات التالية على تعزيز الصبر والتحلي به عند فقد الأحبة:
– أولاً: الإيمان بقضاء الله وقدره، وتسليم الأمر لله تعالى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا أصاب الإنسان مصيبة فعليه أن يقول: “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها.”.
– ثانياً: اللجوء إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء، فالصلاة هي عماد الدين وهي التي تخفف الكروب وتفرج الهموم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة” (الترمذي).
– ثالثاً: التذكر بأن الدنيا دار فانية والآخرة هي دار البقاء، وأن كل نفس ذائقة الموت، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (العنكبوت: 57)، فإذا تذكر الإنسان هذه الحقيقة قلت مصيبته وقلّ حزنه، لأن الذي فقده قد انتقل إلى دار خير من دارنا.
ثالثاً: آثار الصبر على فقد الأحبة
للصبر على فقد الأحبة آثار إيجابية عديدة تعود على الإنسان بالخير في دنياه وآخرته، ومن أبرز هذه الآثار:
– أولاً: يرفع الله تعالى درجات الصابرين في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” (البخاري ومسلم).
– ثانياً: يحمي الله تعالى الصابرين من عذاب النار يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصبر نصف الإيمان، والصبر عند الصدمة الأولى” (ابن ماجه).
– ثالثاً: يجعل الله تعالى الصبر جُنة للإنسان من الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ويأمنه من فزع يوم القيامة فليعد للفقراء والمساكين” (رواه البخاري).
رابعاً: فضل السلوى على فقد الأحبة
السلوى هي الراحة التي يمنّ الله بها على عباده بعد نزول المصيبة، وهي منحة عظيمة من الله تعالى تشفي الجراح وتخفف الآلام، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 156-157)، فالسلوى هي منحة إلهية تخص بها الله تعالى عباده الصابرين.