عسـى أن تـكرهوا شـيئًا وهو خـير لكـم
عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، هي آية عظيمة من سورة البقرة، وهي الآية رقم 216. هذه الآية تعلمنا أن الله تعالى يعلم ما هو خير لنا، وأن ما قد نكرهه أو يصيبنا فيه شيء من الحزن والضيق قد يكون فيه خير كثير لنا.
أقسام الخير والشر عند الله تعالى:
وقد قسم الله عز وجل الخير والشر إلى قسمين اثنين، وذلك بحسب علمنا وجهلنا، فما علمنا أنه خير فهو خير، وما علمنا أنه شر فهو شر، أما ما جهلنا أمره فإن الله تعالى يعلم فيه الخير والشر، وقد يكون فيه الخير الكثير مع أنه في علمنا شر.
والإنسان لا يعلم ما وراء الأمور، فقد يظن أن الشيء شر له وهو في الحقيقة خير له، ولذلك قال الله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”.
وهذه الآية الكريمة تأتي لتؤكد لنا أن الله تعالى هو الأعلم بحالنا، وأن ما يصيبنا من خير أو شر هو بتقدير منه، وأن علينا أن نرضى بقضاء الله وقدره، ونسلم لأمره، وندرك أن ما أصابنا ما كان ليخطئنا، وما أخطأنا ما كان ليصيبنا.
أمثلة على عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم:
ومن الأمثلة على ذلك:
- أن تكره المرض، وهو في الحقيقة سبب في شفاءك من مرض آخر أشد منه.
- أن تكره الفقر، وهو في الحقيقة سبب في غناك في الآخرة.
- أن تكره موت أحد أحبابك، وهو في الحقيقة سبب في لقائه في الجنة.
أسباب كره الإنسان لبعض الأمور:
وقد يكره الإنسان بعض الأمور لأسباب نفسية أو اجتماعية أو دينية، وقد يكون هذا الكره مبررًا أو غير مبرر، فمثلا:
- الذي يكره المرض يكرهه لأنه يخاف الألم والضعف.
- الذي يكره الفقر يكرهه لأنه يخاف الحرمان والذل.
- الذي يكره موت أحد أحبابه يكرهه لأنه يخاف الوحدة والفراق.
كيفية التعامل مع الأمور المكروهة:
وعندما يقع الإنسان في أمر مكروه، فعليه أن يتعامل معه بحكمة وصبر، وأن يتذكر أن الله تعالى يعلم ما فيه الخير، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وعليه أن يسأل الله تعالى أن يرزقه القبول بقضائه وقدره، وأن يجعله من الراضين بقضاء الله تعالى.
وعليه أن يتفكر في الأمور المكروهة التي قد تصيبه، وأن يستعد لها نفسيًا ومعنويًا، حتى إذا وقعت لا يفاجأ بها، ولا يجزع منها.
الخير الحقيقي هو ما يحبه الله ويرضاه:
ولابد أن نعلم أن الخير الحقيقي هو ما يحبه الله ويرضاه، وليس ما نحبه نحن وترضاه، فما أحبه الله لنا فهو خير لنا، وإن كرهناه، وما كرهه لنا فهو شر لنا، وإن أحببناه.
وعلى المسلم أن يسأل الله تعالى أن يرزقه حب ما يحب الله، وكراهية ما يكره الله، وأن يجعله من الراضين بقضائه وقدره.
الخير والشر في القرآن الكريم:
وقد ذكر الله تعالى الخير والشر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، ومنها:
- قال تعالى: “قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون إنما يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون” (الأعراف: 28-29).
- وقال تعالى: “وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا” (الإسراء: 81-82).
- وقال تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” (البقرة: 179).
الخير والشر في السنة النبوية:
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه الخير والشر، ويدعوهم إلى فعل الخير واجتناب الشر، ومن ذلك:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب عليكم القدر خيره وشره” (مسلم).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” (مسلم).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها” (البخاري).
الخير والشر في حياة المسلم:
وفي حياة المسلم تتجلى معاني الخير والشر في كل أمر من أمور حياته، فمثلا:
- إذا فعل المسلم طاعة لله تعالى، فإن ذلك خير له، وإذا فعل معصية فإن ذلك شر له.
- إذا سلك المسلم طريق الهدى والرشاد، فإن ذلك خير له، وإذا سلك طريق الضلال والغواية، فإن ذلك شر له.
- إذا صحب المسلم الصالحين، فإن ذلك خير له، وإذا صحب الفاسقين، فإن ذلك شر له.
الخاتمة:
إن من أعظم ما ينبغي للمسلم أن يتعلمه هو معرفة معاني الخير والشر، والعمل على فعل الخير واجتناب الشر، وذلك لأن في ذلك فلاحه في الدنيا والآخرة، فإن الخير كله صلاح وفلاح، والشر كله فساد وخسران.