اللهم عوضني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مفهوم التعويض عند الله
التعويض لغة هو العوض عن الشيء بمثله أو بما يقوم مقامه، وفي الشرع هو أن يُعطي الله تعالى العبد عوضًا عن ما فقده أو حرم منه من متاع الدنيا، سواءً كان ذلك بسبب الموت أو الفقد أو الضياع أو أي سبب آخر.
ويختلف التعويض باختلاف ما فقده العبد، فقد يعوضه الله تعالى بالدنيا عن الآخرة، أو بالفوز في الآخرة عن خسارته في الدنيا، وقد يعوضه بالصحة والعافية عن المال والبنين، وقد يعوضه بالقناعة والرضا عن الفقر والحرمان.
أسباب التعويض من الله
هناك أسباب عديدة قد يتسبب عنها تعويض الله تعالى للعبد، من أهمها:
الصبر والاحتساب:
عندما يصبر العبد على فقد أو حرمان ما، ويحتسب أجره عند الله تعالى، فإن الله تعالى يعوضه خيرًا مما فقد أو حُرم منه.
وقد ورد في الحديث القدسي: “ما من عبد أصيب بمصيبة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها”.
الدعاء والالتجاء إلى الله:
من أسباب التعويض من الله تعالى كثرة الدعاء والالتجاء إليه، والإلحاح في الطلب، والاستعانة به سبحانه وتعالى في كل الأمور.
وقد ورد في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ليس شيء أنجح من دعاء، ولا ترد القدر إلا الدعاء”.
التوكل على الله والثقة به:
إذا توكل العبد على الله تعالى وثق به، وأيقن أن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وأن ما قدره له خير له في دينه ودنياه، وأن ما منعه عنه كان شراً له، فإن الله تعالى ييسر له الأمور، ويعوضه خيرًا مما فاته.
وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من توكل على الله فهو حسبه”.
الشكر على النعم:
إن شكر العبد لله تعالى على نعمه، والتعبير عن امتنانه وتقديره، يوجب زيادة النعم، وكثرة العطاء، وتعويض الله تعالى للعبد بما هو خير له.
وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله”.
التصديق بوعد الله:
إذا صدق العبد بوعد الله تعالى، وأيقن أنه لا يخلف وعده، وأن كل ما وعد به عباده سيحصل لا محالة، وأن كل ما قدره لهم فلا بد أن يقع، فإن الله تعالى ييسر له الأمور، ويعوضه خيرًا مما فاته.
وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله لا يخلف الميعاد”.
ثمار التعويض من الله
يترتب على تعويض الله تعالى للعبد ثمار عديدة، منها:
زيادة الإيمان واليقين بالله تعالى:
فإذا رأى العبد أن الله تعالى عوضه خيرًا مما فقد أو حُرم منه، زاد إيمانه بالله تعالى، وتيقن أن وعده حق، وأن قدره نافذ، وأن كل ما قضاه فهو خير.
طيب النفس والقناعة:
فإذا علم العبد أن الله تعالى قادر على تعويضه خيرًا مما فقده أو حُرم منه، فإن نفسه تطيب، ويقنع بما قسم له ربه، ويرضى بقضائه وقدره.
البركة في الرزق والعمر والصحة:
فإذا تعوض العبد من الله تعالى عن ما فقده أو حُرم منه، فإن الله تعالى يبارك له في حياته، ويزيد في رزقه، ويمن عليه بالصحة والعافية.
رفع الدرجات في الآخرة:
فإن تعويض الله تعالى للعبد عن ما فقده أو حُرم منه في الدنيا، لا يمنعه من أجره عند الله تعالى في الآخرة، بل قد يرفع الله تعالى درجاته ويضاعف أجره.
صيغ الدعاء بالتعويض
ومن أفضل صيغ الدعاء بالتعويض من الله تعالى:
“اللهم عوضني عن كل ما فاتني من خير، وارزقني خيرًا مما فقدت أو حرمت منه، واجعل لي من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، وأنت ولي ذلك والقادر عليه”.
“اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، وتعويضي عن كل ما فاتني”.
“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال”.
الخاتمة
والله تعالى هو المعوض الكريم، الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ويخلف على عباده كل ما فقدوه أو حرموا منه، وقد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم بالدعاء له بالتعويض، فقال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.