الاستسلام لله وتفويض الأمور إليه: “يارب وكلت أمري إليك”
المقدمة
يعتبر الاستسلام لله وتفويض الأمور إليه من أهم الدعوات التي يمكن للمسلم أن يتضرع بها إلى الله تعالى، فهي تعبر عن ثقة كاملة في قدرته عز وجل وعلمه الواسع، ويقين بأن كل ما يقدره ويقضيه هو خير للمرء، وأنه لن يضره أو يضيقه إلا ما كان خيراً له.
الاعتماد على الله وحده
يؤكد التوكل على الله على اعتماد المسلم على خالقه وحده في كل أموره، فهو وحده القادر على تدبيرها على أكمل وجه، وحده الذي يعلم ما في القلوب وما تخفيه النفوس، وهو وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحج: 38).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.”
تسليم القلب والروح
لا يقتصر الاستسلام لله وتفويض الأمور إليه على مجرد رفع اليدين بالدعاء، بل يتجاوز ذلك إلى تسليم القلب والروح لله تعالى، والرضا بقدره والتسليم لقضائه، وهذا التسليم هو الذي يجعل المسلم مطمئن القلب، هادئ النفس، راضٍ بما قسمه الله له.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ (الشورى: 53).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من سلم لله سلم الله له، ومن وكل لله وكله الله، ومن توكل على الله كفاه الله.”
إيكال الأمور إلى خبير عليم
عندما يفوض المسلم أمره إلى الله تعالى، فإنه في حقيقة الأمر يوكله إلى خبير عليم، يعلم ما لا يعلم، ويدبر الأمور على نحو لا يخطر على قلب بشر، فالله وحده هو الذي يعلم ما تخفي الصدور، ويعلم ما في الغيب، ويعلم ما ينفع وما يضر، وما هو خير للإنسان وما هو شر له.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 20).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا نزل بأحدكم أمر فليتوكل على الله، وليعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.”
الثقة بقدرة الله وعنايته
تتضمن الثقة بالله تعالى الثقة بقدرته وعنايته بعباده؛ فهو الذي خلقهم وأنشأهم ورزقهم وأسبغ عليهم نعمه، فهو وحده القادر على حفظهم ووقايتهم وتدبير أمورهم على أحسن وجه، وهو وحده القادر على إنجاز ما يشاء.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (الزمر: 36).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من توكل على الله وحده كفاه الله همه وغمّه، ورزقه من حيث لا يحتسب.”
التفويض في الرخاء والشدة
لا يقتصر التفويض لله تعالى على أوقات الشدة والضيق، بل يجب أن يكون في الرخاء والشدة، في السراء والضراء، ففي الرخاء يشكر المسلم ربه على نعمه، وفي الشدة يصبر ويحتسب ويفوض أمره إلى الله تعالى، فهو وحده الذي يقدر على تغيير أحوال العباد من حال إلى حال.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.”
التوفيق والتيسير
عندما يفوض المسلم أمره إلى الله تعالى، يوفقه الله ويسهل له طريقه، فإن الله ينصر أولياءه، ويؤيد عباده المتوكلين عليه، وييسر لهم أمورهم، ويفتح لهم أبواب الخير والبركة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق: 3).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من توكل على الله كفاه الله، ومن استغنى بالله أغناه الله، ومن صبر على البلاء أعطاه الله بعد عسره يسراً.”
الخاتمة
إن الاستسلام لله وتفويض الأمور إليه من أعظم العبادات وأجلها، وهو من صفات المتقين والصالحين، وهو السبيل إلى الفوز بالجنة والنجاة من عذاب النار، فطوبى لمن استسلم لله وأفوض إليه أمره، واطمأن قلبه إلى قدره، فإنه وحده القادر على حفظ عباده وتدبير أمورهم على أكمل وجه.