وفيك انطوى العالم الأكبر
الإنسان عالم صغير بداخله عالم أكبر، وهو العالم الأسمى، الذي يشتمل على كل أسرار الكون ومفاتيحه، ففي النفس الإنسانية ينطوي سر الخلق والإبداع، وفيها تكمن طاقات هائلة وقوى خفية لا حصر لها.
1- مرآة الكون
الإنسان مرآة عاكسة للكون، فهو يجسد في تركيبته الجسمانية والنفسية جميع عناصر العالم الخارجي، ففي جسده توجد عناصر من جميع المخلوقات، وفي نفسه تنعكس مشاعر وأحاسيس الكون.
وتتجلى هذه المرآة في قدرة الإنسان على الإدراك والإبداع، فهو يستطيع بفكره أن يستوعب أسرار الكون، ويفسره برموزه، كما يستطيع بإبداعه أن ينتج أعمالاً فنية وعلمية وأدبية تعكس رؤيته للعالم.
وفي هذا الإطار، يقول الفيلسوف الصيني القديم لاوتسي: “أنظر إلى العالم في جناحي ذبابة، وأنظر إلى جناحي ذبابة في العالم”.
2- السر الإلهي
الإنسان هو السر الإلهي الذي أودعه الله في خلقه، وهو المعجزة الحقيقية التي تتفوق على كل العجائب الأخرى في الكون.
ففي الإنسان تجلىت قدرة الله ومشيئته، وفي عقله وإدراكه تجلى عظمة الخالق، وفي مشاعره وأحاسيسه تجلى رحمة الله وحنانه.
ويقول الشاعر المتصوف ابن عربي: “الإنسان هو كتاب الله الذي كتبه بيده، وصوره على صورته، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه”.
3- خليفة الله في الأرض
جعل الله الإنسان خليفة له في الأرض، وأسند إليه مهمة القيام بأمانة الاستخلاف، وهي مهمة عظيمة تتطلب من الإنسان أن يكون على مستوى المسؤولية.
ولكي يقوم الإنسان بمهمته على أكمل وجه، منحه الله العقل والإرادة والقدرة على التغيير الإيجابي، كما منحه سلطاناً على الطبيعة وقوانينها.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”.
4- حامل الأمانة
حمل الإنسان أمانة التكليف، وهي أمانة ثقيلة تحمل الإنسان مسؤولية أفعاله وقراراته، فهي التي تميزه عن سائر المخلوقات الأخرى.
وعلى الإنسان أن يحمل هذه الأمانة بصدق وإخلاص، وأن يؤديها على أكمل وجه، وأن يسعى دائمًا إلى تحقيق الخير والصلاح لنفسه ولمن حوله.
يقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
5- أشرف المخلوقات
جعل الله الإنسان أشرف المخلوقات، وذلك لأنه خلقه في أحسن تقويم، وميزه عن غيره من المخلوقات بالفكر والعقل والإرادة.
وأشرفية الإنسان تنبع من قدرته على الارتقاء والتطور والتسامي، ومن قدرته على حب الخير وبذل الخير للآخرين.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”.
6- جوهرة الدنيا
الإنسان هو جوهرة الدنيا وزينتها، وهو الغاية النهائية لعملية الخلق، فهو الذي يعطي للدنيا معناها وقيمتها.
ولكن الإنسان لا يصبح جوهرة الدنيا إلا إذا اكتشف كنوزه الداخلية وقام بتطويرها واستغلالها، وإلا إذا عاش حياة صالحة وقام بأعمال صالحة.
يقول الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): “إن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمعركم”.
7- لغز الكون
الإنسان هو لغز الكون الذي لم يتم حله بعد، وهو السر الذي لا ينكشف إلا لمن عرف نفسه ووصل إلى أعماقها.
وعلى الإنسان أن يسعى دائمًا إلى اكتشاف نفسه وفهم أعماقها، وأن يزيل عنها الحجب التي تحول دون رؤيته لجوهره الحقيقي.
ويقول الفيلسوف الألماني نيتشه: “من عرف نفسه فقد عرف العالم”.
الخلاصة
وفيك انطوى العالم الأكبر، هذه خلاصة موجزة للإنسان الذي هو عالم صغير بداخله عالم أكبر، وهو المرآة العاكسة للكون، والسر الإلهي، وخليفة الله في الأرض، وحامل الأمانة، وأشرف المخلوقات، ودرة الدنيا، ولغز الكون.