حديث صوتان ملعونان
ينقل عن الإمام أحمد قوله: «من أراد أن يسمع صوتان ملعونان فليقرأ آية الكرسي ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم»، وهذه الرواية غير صحيحة، فقد أجمع المفسرون على أن المراد بالصوتين الملعونين صوت الشيطان وصوت الكافر، وذلك لأن الشيطان هو الذي يزين للكفار كفرهم ويحرضهم على المعاصي، والكافر هو الذي يصدق الشيطان ويتبعه في كفره، فلذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: 21].
سبب اللعن على صوت الشيطان
وإنما لُعن صوت الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشر والفساد، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: 268].
ويحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تأثير وساوس الشيطان، ويقول: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»، رواه البخاري ومسلم.
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: «وإياك أن تطمئن إلى وسوسة الشيطان؛ فإنها كالحية، إذا اطمأن إليها الإنسان لدغته، وهي لا تضر إلا من يطمئن إليها ويأنس بها».
سبب اللعن على صوت الكافر
وإنما لُعن صوت الكافر؛ لأنه يدعو إلى الكفر والإلحاد، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون﴾ [فصلت: 26].
وينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مصاحبة الكافرين، ويقول: «لا تجالسوا أهل الأهواء والبدع، ولا تُجادلوهم فإن جدالهم يُضِلُّ ويُلبِّس»، رواه الطبراني وصححه الألباني.
ويقول القرطبي -رحمه الله-: «وإياك أن تجالس أهل البدع؛ فإن مصاحبتهم تُفسد العقيدة، وتُوهن الإيمان، وتُدخل الشك في القلب».
علاج وسوسة الشيطان
وعلاج وسوسة الشيطان يكون بالاستعاذة بالله منه، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأعراف: 200].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قال عند منامه: أعوذ بالله السميع العليم من شر الشيطان الرجيم، ثلاث مرات، لم يقربه شيطان حتى يصبح»، رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
ويقول ابن حجر -رحمه الله-: «ومن أعظم الأسباب في دفع إغراء الشيطان الاستعاذة بالله من شره، عند تلاوة القرآن وفيه، وعند النوم وعند القيام والقعود، وعند دخول الخلاء، وعند الجماع وعند غسل الجنابة، وعند الاستيقاظ من النوم».
فضل قراءة آية الكرسي
وقراءة آية الكرسي من أفضل ما يُستعاذ به من الشيطان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت»، رواه الترمذي وصححه الألباني.
ويقول ابن كثير -رحمه الله-: «وهذه الآية العظيمة تضمنت توحيد الله وصفاته وأسمائه، فلهذا كانت حصناً حصيناً للمسلم، يعصمه من شر الشيطان وجنوده».
ويقول القاضي عياض -رحمه الله-: «وآية الكرسي كنز من كنوز القرآن، فيها من العظمة والبركة ما لا يوجد في غيرها من السور والآيات، وهي حصن حصين لمن قرأها دبر كل صلاة، وإذا أتى الإنسان منامه، وإذا دخل بيته، وإذا خرج منه، وإذا نام وإذا استيقظ، وبها يعالج من مسّ الجن والعين وإذا أصابته نائبة، وإذا نزل به ضيف، وكل ذلك مجرب مشاهد بعون الله تعالى».
كيفية الاستعاذة بالله من الشيطان
ويكون الاستعاذة بالله من الشيطان بقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»، ويمكن أن يزيد المسلم بعد ذلك: «من نفخه ونفثه وهمزه».
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قال عند منامه: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، لم يضره شيء حتى يصبح»، رواه البخاري ومسلم.
ويقول النووي -رحمه الله-: «وهذه الكلمات هي أعظم ما يُتحصن به الإنسان من شر الشياطين».
فضل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
وللاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فضائل كثيرة، منها:
أنها تُبطل سحر السحرة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ قُرْآنَ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهِ وَتُزْلَفُونَهُ﴾ [القلم: 51-52]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فأنزل الله: وأنه لكم لتستعيذوا به من الشيطان الرجيم»، رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
أنها تُبطل عين العائن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»، رواه مسلم.
أنها تُحفظ المسلم من شر الشياطين وجنودهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يجرى على قلبك شيئاً، فاستعذت بالله»، رواه البخاري ومسلم.
الفرق بين الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم
والفرق بين الاستعاذة بالله والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم أن الاستعاذة طلب الحفظ من الشيطان، والتعوذ طلب اللجوء والاعتصام بالله من شره، وكلاهما جائز في الشرع، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»، رواه البخاري ومسلم، وقال: «تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم»، رواه الترمذي وصححه الألباني.
الخاتمة
وفي الختام، فإن حديث «صوتان ملعونان» يقصد به صوت الشيطان وصوت الكافر، ولعن هذين الصوتين يرجع إلى أنهما يدعوان إلى الشر والفساد والكفر والإلحاد، وللدفاع عن النفس من وسوسة الشيطان يُستحب قراءة آية الكرسي والاستعاذة بالله من